(
21- و في تلك الساعة تهلل يسوع بالروح و قال احمدك ايها الاب رب السماء و الارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء و الفهماء و اعلنتها للاطفال نعم ايها الاب لان هكذا صارت المسرة امامك. 22- و التفت الى تلاميذه و قال كل شيء قد دفع الي من ابي و ليس احد يعرف من هو الابن الا الاب و لا من هو الاب الا الابن و من اراد الابن ان يعلن له. 23- و التفت الى تلاميذه على انفراد و قال طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه. 24- لاني اقول لكم ان انبياء كثيرين و ملوكا ارادوا ان ينظروا ما انتم تنظرون و لم ينظروا و ان يسمعوا ما انتم تسمعون و لم يسمعوا
فى ذلك الوقت= نفهم من إنجيل لوقا أن السيد قال هذه الكلمات بعد ما رجع الرسل السبعون وأخبروه بخضوع الشياطين لهم بإسمه. هذا ما جعل يسوع يتهلل بالروح، فهو أتى لهذا وهاهو يرى نجاح رسالته تهلل يسوع بالروح = هناك من يتهلل بالجسد أى يفرح بملذات العالم ولكن يسوع يتهلل بالروح، فما يفرحه هو الروحيات. وهنا نراه يتهلل أى يبتهج بنجاح الإنجيل، وخضوع الشياطين بإسمه لرسله. ولم يذكر فى كل الإنجيل أن يسوع تهلل سوى فى هذا الموضع، فهو يتهلل فقط لأن الخطاة فازوا بالخلاص. أحمدك = ليست بمعنى الشكر على إحسان، بل إعلان الرضا عن المشهورة الإلهية، وكأنه يقول لأبيه حسناً فعلت إذ أعلنت الإنجيل لهؤلاء السبعين وحجبتها عن المتعجرفين، وحرفياً تعنى أعترف لك. ومن المهم أن نقارن المناسبة التى قيلت فيها هذه الأيات فى كلا الإنجيلين. فمتى يذكرها عقب تقسيم المؤمنين أو الناس عموماً إلى فئتين:- الأولى هم من يبرون الله وهم الذين يفرحون بإحكام وحكمة الله والثانية هم من يرفضون مشورة الله أمثال الفريسيين وكفر ناحوم وكورزين.. الخ. ومعنى كلام السيد المسيح هنا أن حكمة الله تُعلن لمن يؤمن بالمسيح ويقبله ويبرر الله ويتصرف فى بساطة قلبه بإتضاع = أعلنتها للأطفال. أما من يرفض مشورة الله، لأنه حكيم فى عينى نفسه يسلك بلا تواضع فلن يفهم مشورة الله وحكمته ولن يفرح بها = أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء= أى الحكماء فى أعين أنفسهم.
أماّ فى إنجيل لوقا فلقد وردت هذه الأيات فى عقب نجاح إرسالية السبعين رسولاً وخضوع الشياطين لهم، ومن هذا نفهم أن الشياطين لا تخضع سوى للمتضعين وليس للمتكبرين.
أخفيت هذه= حكمتك ومشورتك وتدبيراتك فيما يخص الخلاص سواء على المستوى العام للناس كلها أو تدبير الله للشخص نفسه.
الأطفال= من يقبل المسيا فى بساطة قلب ويحمل صليبه فى إتضاع، هو من يرتمى فى حضن أبيه، لا ينتقم لنفسه بل يشكو لأبيه، إطمئنانه وقوته هو ابوه السماوى، يجد لذته فى حضنه، هؤلاء يدخل بهم السيد إلى معرفته. لذلك إختار المسيح تلاميذه من البسطاء (1كو 18:3) الحكماء والفهماء= هؤلاء متثقلين بالأنا، فلا يقدرون أن يدخلوا طريق المعرفة الإلهية الحقة. ولنلاحظ أن الله لم يقل أعلنتها للجهلاء والأغبياء، بل للأطفال، فالأطفال هم البسطاء المتضعين، ولكنهم فى الحقيقة مملوئين حكمة وفهم، هؤلاء يعطيهم الله. من يعترف أنه جاهل يعطيه الله حكمة وفهم قلب. وهذه هى مسرة الآب أن يعطى حكمة للمتضعين كل شئ قد دُفع إلىّ من أبى = يقول هذا حتى لا يظن التلاميذ أن كل سلطان المسيح هو فى إخراج الشياطين. وقول المسيح هنا يفيد مساواته للآب فى الجوهر. وأنه صار وارثاً لكل شئ (عب 2:1). طبعاً وارثاً لكل شئ بجسده، فكل مجد وكل سلطان صار لجسد المسيح هو لحساب كنيسته جسده (يو 22:17+ أف 30:5 + أف 12:4). ولكن لا يصح أن نقول أن المسيح بلاهوته صار وارثاً، فهو والآب واحد فى الجوهر الإلهى.
ليس أحد يعرف الإبن إلاّ الآب = الإبن بطبيعته الإلهية غير المحدودة لا يعلمها سوى الله غير المحدود. وبنفس المفهوم = ولا من هو الآب إلاّ الإبن فالآب يعرف الإبن والإبن يعرف الآب خلال وحدة الجوهر، وهذه المعرفة غير متاحة لمخلوق سواء ملاك أو إنسان.
ومن أراد الإبن أن يعلن له = لهذا تجسد المسيح حتى يعلن لنا الآب، فإذ كان الله محتجب عن الإنسان، والإنسان غير قادر على الإقتراب منه، بل حين أراد الله أن يظهر لبنى إسرائيل إرتعبوا مماّ حدث، وطلبوا من موسى أن لا يظهر لهم الله ثانية حتى لا يموتوا، بل أن موسى نفسه إرتعب (عب 18:12-20 + تث 15:18-19). فكان تجسد المسيح هو ليعلن الله الآب، ولهذا قال المسيح من رأى فقد رآنى الآب (يو 9:14). فالمسيح حين أقام موتى كان يعلن إرادة الآب فى أن يعطينا حياة وحين فتح أعين عميان كان يعلن إرادة الأب أن تكون لنا بصيرة روحية بها نراه وهكذا. وحين صُلبَ رأينا محبة الله الذى بذل إبنه الوحيد عنا وحين تجسد وقبل الإهانة رأينا تواضعه العجيب. إذاً جاء الإبن يحمل طبيعتنا لكى يدخل بنا إلى المعرفة الإلهية. حملنا فيه حتى نقدر أن نعاين ما لا يُرى ونُدرك ما لا يُدرك. وليس هناك سوى طريق واحد لندرك به الله ونتعرف عليه، وهذا الطريق هو الإتحاد بالإبن.
وكلمة يعرف تعنى فى لغة الكتاب المقدس " الوحدة أو الإتحاد " فحين يقول " عرف آدم حواء امرأته " (تك 1:4) فهذا يعنى أنهما صارا جسداً واحداً، أى إتحد بها جسدياً وهذه المعرفة أو هذا الإتحاد يكون له ثمر. فلقد أنجبت قايين، لذلك يقول " وعرف أدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين " وهكذا قيل هنا " ليس أحد يعرف الإبن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن " لأنهما فى وحدة. هما واحد. وهذه تساوى تماماً " أنا فى الآب والآب فىَّ " (يو 10:14) وتساوى " أنا والآب واحد " (يو 30:10)
وبنفس المفهوم حين يقول " لا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له " فهذا يعنى أن المسيح يعطينا أن نتحد به. فالمعرفة تعنى أتحاد يعطى حياة، فالمسيح يوحدنا فيه لنكون أحياء فهو الحياة.
ونفهم هذا من قول بولس " وأوجد فيه... لأعرفه..." (فى 9:3-10) فالثبات فيه والإتحاد به يعنى معرفته. وهذا معنى " وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته " (يو 3:17). والإتحاد به أشار إليه المسيح فى صلاته الشفاعية (يو 21:17-26).
والاتحاد به له شروط
1) الإيمان به 2) المعمودية التي تعطي إستنارة 3) حلول الروح القدس الذي يشهد للإبن وللآب 4) القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب (عب14:12) وهذه تحتاج لتوبة مستمرة. ومن يحيا في طهارة يثبت في المسيح. 5) تكون لنا الأعمال الصالحة التي تمجد إسم الله ومن يوفي هذه الشروط يريد الإبن أن يعلن له الآب= ومن أراد الإبن أن يعلن لهُ. فالإبن يود لو أعلن الآب للجميع. ولكنه لا يعلن الآب سوى لمن يستحق بإيمانه العامل بمحبة، وبتمتعه بأسرار الكنيسة. تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين..= هم المتعبين من الخطايا والمثقلين بحملها وأيضاً المتعبين من آلام العالم. وهذه الآية تشير أن المسيح يريد أن يعلن الآب للكل. ولكن خطايانا تمنعنا من هذا. والحل هو أيضاً أن نلجأ للمسيح ليحمل عنا خطايانا ويريحنا من أتعابنا. ومن يقبل للمسيح طالباً غفران خطاياه، فمثل هذا يريد المسيح أن يعلن له الآب. فأريحكم= هي ليست وعد بان يزيل المسيح الآلام بل يعطي الراحة خلالها.
ولاحظ أن الخطية هي حمل ثقيل. وحين يغفر المسيح يرفع هذا الحمل فيبطل وخز الضمير، ونكتشف محبة الآب وحنوه من نحونا. وسنشتاق لمحبة الآب بالأكثر فنقول للإبن عن الآب مع عروس النشيد "ليقبلني بقبلات فمه" (نش2:1) أي ليعلن لي محبته أكثر فأكثر.
(لو10 : 23-24):-
طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه= هؤلاء التلاميذ الذين عاشوا بإتضاع ورأوا المسيح وعرفوه فعرفوا الآب ومحبته هم أفضل من قديسي العهد القديم الذين آمنوا بالمسيح وتنبأوا عنه لكنهم لم يروه، هم عاشوا في الظلال ولكن التلاميذ رأوا المسيح حقيقة. ولا نقصد بالرؤية رؤية جسدية فالفريسيين رأوه ولم يؤمنوا به ولا قبلوه. أمّا رؤية التلاميذ فكانت رؤية حقيقية إذ عرفوا المسيح وآمنوا به. والسبب كبرياء الفريسيين وبساطة التلاميذ لذلك قال المسيح في (مت29:11) تعلموا مني فإني وديع ومتواضع. وهذه الآية هي التي نصليها دائماً في أوشية الإنجيل، فالآن نحن بالإنجيل نرى ونسمع المسيح الذي إشتهى أباء العهد القديم أن يروه ويسمعوه فلم يروا ولم يسمعوا. فإننا كلما نسمع كلمات الإنجيل نتأمل شخص المسيح فنعرفه، فالكتاب المقدس هو كلمة الله المكتوبة التي تكشف المسيح كلمة الله. قارن أيضاً أوشية الإنجيل بالآية (مت17:13).
0 التعليقات:
إرسال تعليق