المعني
الروحي للتجديف على الروح القدس
من اقوال الاباء والبابا شنوده
وشرح
الفكر العلامه ترتليان والعلامه اوريجانوس والقديس يوحنا ذهبي الفم والبابا
اثناسيوس وغيرهم كثيرين
وعلي
سبيل المثال
لأنه
كما قال الآباء مثل القديس اثناسيوس: "الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة
فى الروح القدس" (من الرسالة الأولى إلى سيرابيون فصل 28 عن الروح القدس). وقد
كرر القديس أثناسيوس هذا المعنى فى رسالته الثالثة إلى سيرابيون الفصل الخامس
أيضاً فى مقاله عن الروح القدس، كما وردت فى مواضع أخرى من تعليمه.
ومثله
قال القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة بحسب فهمنا المتنوع لها (نسميها طاقة أو قدرة
أو خلاص أو هبة أو موهبة أو عطية... إلخ)، لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال
الابن وتكتمل فى الروح القدس."[1]
وقد
شرح القديس يوحنا ذهبى الفم خطأ تعليم مقدونيوس، فى شرح عبارة أن الروح القدس لا
يتكلم من نفسه، كما يلى:
أولاً:
إن الله حينما أراد أن يقيم سبعين شيخاً لمعاونة موسى النبى فى رعاية شعب إسرائيل
قال الرب لموسى "آخذ من الروح الذى عليك وأضع عليهم" (عدد 11: 17) فهل
كان الله أقل من موسى النبى.. حاشا؟! وهل الله يستدين (يستلف) من موسى الروح القدس
أى مواهبه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام
المقالات والكتب الأخرى). إن السبب فى ذلك طبعاً، وبدون أى جدال ويستد كل فم، أن
الله أراد أن يثبت للشيوخ السبعين أنهم يعاونون موسى ولا ينفصلون عنه، بل يعملون
فى انسجام ووحدانية، لكى لا يحدث انقسام فى الجماعة.
هكذا
أيضاً الروح القدس يأخذ مما للسيد المسيح ويخبرنا ليس لأنه أقل من الابن، كما
إدّعى مقدونيوس، بل لكى يؤكد أن المسيح هو رأس الكنيسة. وتكون العطايا والمواهب
التى تمنح لنا هى من خلال السيد المسيح، ونكون نحن أعضاء فى جسده الواحد. فالروح
القدس كما أنه هو روح الآب فهو أيضاً روح الابن أو روح المسيح كما هو مكتوب.
ثانياً:
الروح القدس يأخذ مما للمسيح ويخبرنا، لأن أى إنسان يستطيع أن يدّعى أن الروح القدس
يحل عليه، وأنه يأخذ وحياً من الروح القدس. والقديس يوحنا الرسول يقول "لا
تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا
إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء فى الجسد
فهو من الله" (1يو 4: 1-2). ونظراً لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى
العالم فكيف نعرف الروح القدس الحقيقى (أى روح الله) إلا إذا كان لا يتكلم من
نفسه، أى أنه يشهد للمسيح ولا يشهد له فقط بل يشهد الشهادة الحقيقية، أن المسيح هو
الابن المولود من الآب قبل كل الدهور. كما قال القديس يوحنا الإنجيلى فى نفس
الرسالة: "ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن فى الحق
فى ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية" (1يو5: 20) فالروح
الذى يشهد لألوهية السيد المسيح ولتجسده من أجل خلاص العالم تكون شهادته هى شهادة
حق.
من
تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال القديس اغسطينوس
يستغل
عدوّ الخير كلمات السيّد بخصوص عدم مغفرة التجديف على الروح القدس لتحطيم بعض
النفوس، فيشكِّكها أنه قد مرّ على فكرها تجديفًا على الأرواح ليُغلق أمامها باب
الرجاء في الخلاص! وإذ عانى القدّيس أغسطينوس كأسقف من هذا الأمر وسط شعبه أراد أن
يبعث فيهم روح الرجاء محطّما كل تشكيك شيطاني، فبدأ بتأكيد أن كل إنسان معرّض لفكر
تجديف، إن لم يكن بالنطق بكلمة تجديف خاصة قبل إيمانه. فهل يُغلق باب الخلاص أمام
الجميع؟
يقول
القدّيس أغسطينوس:
[من
ذا الذي لم يخطئ بكلمة ضدّ الروح القدس قبل كونه مسيحيًّا أو قبل كونه تابعًا
للكنيسة الجامعة؟
1.
الوثنيون: أليس الوثنيّون الذين يعبدون آلهة كثيرة باطلة، ويسجدون للأصنام،
ويقولون بأن الرب يسوع صنع معجزاته بقوة السحر، يكونون كمن قالوا بأنه برئيس
الشيّاطين يُخرج الشيّاطين، وإذ يجدّفون على مقدّساتنا يوميًا... ألا يكون ذلك
تجديفًا على الروح القدس؟!
2.
اليهود: أليس اليهود بنطقهم تلك الكلمات أثاروا المناقشة التي أعالجها؟! ألا
ينطقون إلى اليوم بكلمة تجديف ضدّ الروح القدس بإنكارهم حلوله في المسيحيّين؟!
لقد
أنكر الصدّوقيّون الروح القدس، أمّا الفرّيسيّون فلم ينكروه مؤكِّدين وجوده، لكنهم
أنكروا علاقته بالرب يسوع المسيح، إذ حسبوه برئيس الشيّاطين يُخرج الشيّاطين مع
أنه أخرجها بالروح القدس.
3.
الهراطقة: كل من اليهود والهراطقة الذين يعتقدون بوجود الروح القدس ينكرون علاقته
بجسد المسيح، أي كنيسة الواحدة الوحيدة الجامعة، هؤلاء بلا شك كالفرّيسيّين الذين
رغم اعترافهم بوجود الروح القدس إلا أنهم أنكروا وجوده في السيّد المسيح، ناسبين
إخراج الشيّاطين إلى كونه رئيسًا للشيّاطين...
لقد
اتّضح أن كلاً من الوثنيّين واليهود والهراطقة قد جدّفوا على الروح القدس، فهل
يُهمل هؤلاء، ويفقدون الرجاء بحسب العبارة "وأما من قال كلمة على الروح القدس
فلن يغفر له، لا في هذا الدهر، ولا في الآتي". هل لا يمكن أن يوجد من لم
يجدّف على الروح القدس إلا المسيحي الذي نشأ منذ طفولته في الكنيسة الجامعة؟
حقًا
إن كل الذين آمنوا بكلمة الله وتبعوا الكنيسة الجامعة، سواء كانوا وثنيّين أو
يهودًا أو هراطقة، نالوا نعمة المسيح وسلامه. فلو لم يكن لهم غفران عن الكلمات
التي تفوّهوا بها ضدّ الروح القدس لكان وعدنا لهم وتبشيرنا بالرجوع إلى الله
لينالوا السلام وغفران الخطايا أمرًا باطلاً... لأن العبارة لم تقل: "لا تُغفر
إلا بالمعموديّة" بل قال "لا يُغفر له لا في هذا الدهر ولا في الآتي".
4.
المسيحيّون: قد يظن البعض بأنه لا يخطئ إلى الروح القدس غير الذين اغتسلوا في جرن
الولادة الجديدة، فخطيتّهم هذه تكون بجحدهم العطيّة العُظمى التي وهبهم المخلّص
إيّاها، ملقين بأنفسهم ـ بعد نوالهم العطيّة ـ في الخطايا المهلكة كالزنا والقتل
والارتداد عن المسيحيّة أو عن الكنيسة الجامعة... ولكن كيف يمكننا أن نُبرهن على
صحّة هذا؟ إنّني لا أستطيع القول بهذا، لأن الكنيسة لن ترفض التوبة عن أي خطيّة
كانت. والرسول بولس يقول بأنه يمكن توبيخ الهراطقة (أي المسيحيّين الذين انحرفوا) لأجل
نوالهم التوبة: "عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق، فيستفيقوا من فخ إبليس
إذ قد اِقتنصهم لإرادته" (2 تي 2: 25-26). وما الفائدة من إصلاحهم إن لم يكن
لهم رجاء في نوال المغفرة؟ كذلك لم يقل الرب: "المسيحي المعمَّد الذي يقول
كلمة على الروح القدس"، بل قال "وأما من قال كلمة..." أي من قال
كلمة سواء كان وثنيًا أو يهوديًا أو مسيحيًا أو هرطوقيًا.
رابعًا:
هل يقصد بالتجديف المعنى الشامل، أم معنى خاص؟
بعد
أن أكّد القدّيس أغسطينوس أن أبواب مراحم الله مفتوحة للجميع حتى الذين تعرّضوا
للتجديف على الروح القدس سواء قبل الإيمان بالسيّد المسيح من اليهود أو أمم أو حتى
بعد الإيمان مثل السقوط في هرطقات ضدّ الروح القدس أو اِرتكاب خطايا مرّة، بدأ
يوضّح كلمات السيّد المسيح عن "التجديف على الروح القدس" في العبارة
التي بين أيدينا ليظهر أنه لا يقصد المعنى الشامل، أي كل تجديف ضدّ الروح القدس
وإنما يقصد معنى خاصًا.
يقول
القدّيس أغسطينوس:
[لم
يقل الرب "لا يُغفر كل تجديف على الروح" أو "من قال أيّة كلمة"
بل "وأما من قال كلمة". فلو ذُكرت كلمة "كل" لما أمكن للكنيسة
أن تحتضن الخطاة والأشرار والمقاومين لتعطيهم المسيح ومقدّسات الكنيسة، سواء كانوا
يهودًا أو أمميّين أو ثنيّين أو هراطقة... أو حتى الضعفاء من المسيحيّين الذين
ينتمون للكنيسة الجامعة نفسها. حاشا أن يكون ذلك هو قصد الرب!
أقول،
حاشا أن يقول الرب "كل" أو "أي" تجديف أو كلمة على الروح
القدس ليس لها مغفرة... إذن فبلا شك توجد تجديفات وكلمات معيّنة لو قيلت على الروح
القدس لا يكون لها غفران. فما هي هذه الكلمة؟ هذه هي إرادة الله أن نسأل هذا
السؤال ليوضّحه لنا؛ إرادته أن نسأله لا أن نعترض على كلامه.
غالبًا
ما يستخدم الكتاب المقدّس هذه الطريقة، وهي أن يعبّر عن أمر ما دون تحديد إن كان
يقصد به معنى عامًا أم خاصًا، وبذلك لا توجد ضرورة ملزمة لفهمه بالمعنى العام أو
الخاص؛ فهو لا يستخدم كلمة "كل" ولا "بعض"؛ لا يتحدّث بصيغة
عامة ولا صيغة خاصة.
أمثلة:
أ.
لكي يظهر لكم ذلك بأكثر وضوح تأمّلوا قول الرب نفسه عن اليهود: "لو لم أكن قد
جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطيّة" (يو 15: 22). هنا لم يحدّد المعنى، كما لو أنه
قصد بأن اليهود ما كان لهم أي خطيّة لو لم يكن قد جاء المسيح وكلّمهم. لكن الحقيقة
هي أنه جاء ووجدهم مثقّلين بالخطايا (مت 11: 28، رو 5: 20، مت 9: 13)... فكيف إذن
لو لم يكن قد جاء المسيح لم تكن لهم خطيّة؟... إنه لم يقل "أيّة خطيّة" لئلا
يكذب الحق، ولا قال بصيغة محدّدة "بعض خطايا معيّنة" لئلا لا نتدرّب على
الشغف بالبحث. فإن الكتاب المقدّس غني بالأجزاء الواضحة لكي نتغذى بها والأجزاء
الغامضة لكي نتدرّب بها. بالأولى يُنزع الجوع والثانية ننال اللذّة.
إذ
نعود إلى قوله نجد أن اليهود بالضرورة ارتكبوا بعض الخطايا، لكن ليس جميعها، هذه
التي لم تكن موجودة قبل مجيئه وهي إنكار الإيمان به... فبقوله "لم تكن لهم
خطيّة" لا نفهمها بمعنى "لم تكن لهم أيّة خطيّة"، وإنما بعضها. كذلك
إذ نسمع إنجيل اليوم "التجديف على الروح القدس لن يغفر" لا نفهمه على
أنه كل تجديف بل أنواع معيّنة منه...
ب.
وإذ قيل "الله لا يجرِّب أحدًا" (يع 1: 3)، لا يفهم أن الله لا يجرِّب
أحدًا بأي نوع من التجارب بل لا يجرِّبه بأنواع معيّنة، لئلا يكون المكتوب باطلاً:
"الرب إلهكم يمتحنكم (يجرّبكم)" (تث 13: 3). فالله لا يجرِّبنا بالتجربة
التي تقودنا للخطيّة، لكنّه يهبنا أن نُجرَّب بالتجربة التي بها يمتحن إيماننا.
ج.
وهكذا أيضًا عندما نسمع: "من آمن واِعتمد خلص" (مر 16: 16)، بالطبع لا
نفهمها على كل من يؤمن أيّا كان إيمانه، "فالشيّاطين يؤمنون ويقشعرٌّون"
(يع 2: 19). ولا نفهمها على كل من اِعتمد، فسِيمون الساحر بالرغم من قبوله
المعموديّة إلا أنه لم يكن ممكنًا أن يخلُص... فقوله "من آمن واِعتمد" لم
يقصد به جميع الذين يؤمنون ويعتمدون، بل بعضهم، هؤلاء الراسخون في ذلك الإيمان
الذي يوضّحه الرسول بأنه "العامل بالمحبّة" (غل 5: 6)...]
خامسًا:
ما هو المعنى الخاص الذي قصده بالتجديف على الروح القدس؟
يفسر
القدّيس أغسطينوس أن ما قصده الرب هنا هو "الإصرار على عدم التوبة" حتى
آخر نسمة من نسمات حياتنا. يقول بأن الروح القدس هو روح الآب والابن، من خواصه
الشركة بين الأقنومين، كما أنه هو الذي يعطينا الشركة مع الله، إذ به تنسكب محبّة
الله فينا، فتستر خطايانا، بهذا فإن عمله هو غفران الخطايا ومصالحتنا مع الله. ومن
ناحية أخرى فإن الروح هو الذي يعطي الشركة بين أعضاء الكنيسة الواحدة في الرب، وهو
الذي يهب العضو التوبة والتبكيت كما يعطي للكنيسة حق حلّ خطاياه... إذن عمل الروح
القدس في حياتنا هو التوبة لنوال الحلّ... فالتجديف هو الإصرار على عدم التوبة
وبالتالي الحرمان من العضويّة الكنسيّة الحقيقية.
يقول
القدّيس أغسطينوس:
[أحبّائي...
أنتم تعلمون أن سرّ التثليث غير المنظور... الذي يقوم عليه إيماننا، وتعتمد عليه
الكنيسة الجامعة وتكرز به، أن الآب ليس أبًا للروح القدس بل للابن، والابن ليس
ابنًا للروح القدس بل للآب، وأما الروح القدس فليس روح الآب وحده ولا الابن وحده
بل روح الآب والابن... لقد سلَّمت إلينا فكرة العلّة في الآب (أي المصدر)،
والبنوّة في الابن، والشركة في الروح القدس، والمساواة في الثلاثة. بذلك صارت
مسرة الله أن ننال بواسطة من هو رابطة الوحدة بين أقنومي الآب والابن، الشركة مع
بعضنا البعض ومع الثالوث القدّوس... بنفس العطيّة نجتمع معًا في وحدانيّة... ننالها
بواسطة الروح القدس الذي هو الله وفي نفس الوقت عطيّة الله...
عطيّة
الله الأولى في الروح القدس هي "مغفرة الخطايا"؛ هذا ما بدأت به بشارة
يوحنا المعمدان السابق للرب... قائلاً "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات"
(مت 3: 1-2)، وهو أيضًا ما بدأ به ربّنا بشارته (مت 4: 17). ومن الأمور التي تحدّث
بها يوحنا إلى الذين جاءوا ليعتمدوا منه قوله: "أنا أعمِّدكم بماء للتوبة
ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى منّي، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمّدكم
بالروح القدس ونار" (مت3: 11). وقال الرب أيضًا: "يوحنا عمّد بالماء
وأما أنتم فستعمِّدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع 1: 5)... فالنار
بالرغم من إمكان فهمها على أنها الضيقات التي يتحمَّلها المؤمنون من أجل المسيح،
لكن من المعقول هنا أن المقصود بها الروح القدس نفسه. لذلك عندما حلّ الروح القدس
قيل: "وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرّ ت على كل واحد منهم"
(أع 2: 3). وقد قال الرب نفسه: "جئت لأُلقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49)،
ويقول الرسول: "حارِّين في الروح" (رو 12: 11)، لأن من الروح القدس (النار)
تأتي غيرة (حرارة) الحب، "لأن محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس
المُعطَى لنا" (رو 5: 5)، وعلى العكس قال الرب: "تبرد محبّة الكثيرين"
(مت 24: 12). إذن الحب الكامل هو عطيّة الروح القدس (النار) الكاملة، لكن عطيّته
الأولى هي غفران الخطيّة التي بها أنقذنا من سلطان الظلمة (كو 1: 13)، ومن رئيس
هذا العالم (يو 12: 31) الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أف 2: 2)... فالروح
القدس الذي به يجتمع شعب الله في واحد يُطرد الروح الشرّير المنقسم على ذاته.]
هكذا
يبلغ بنا القدّيس أغسطينوس إلى أن عمل الروح القدس هو حياة الشركة مع الله ومع
إخوتنا، خلالها لا يكون لإبليس موضع فينا، وذلك بالتوبة، لهذا يكمّل قائلاً: [فالقلب
غير التائب ينطق بكلمة ضدّ الروح القدس، ضدّ هذه العطيّة المجّانيّة، وضد النعمة
الإلهيّة. عدم التوبة هو التجديف على الروح القدس الذي لن يغفر لا في هذا العالم
ولا في الآتي.]
هل
يمكن الحكم على إنسان بالتجديف على الروح القدس؟
يقول
القدّيس أغسطينوس: [عدم التوبة أو القلب غير التائب أمر غير مؤكّد طالما لا يزال
الإنسان حيًا في الجسد. فعلينا ألا نيأس قط من إنسان مادامت أناة الله تقود
الشرّير إلى التوبة، ومادام الله لم يأخذه سريعًا من هذا العالم: "هل مسرَّةً
أُسرُّ بموت الشرّير يقول الرب، إلا برجوعه عن طرقه فيحيا؟!" (حز 18: 23). قد
يكون الإنسان اليوم وثنيًا لكن من أدراك فقد يصبح مسيحيًا في الغد... ليحثك الرسول
أيها الأخ قائلاً: "لا تحكموا في شيء قبل الوقت" (1 كو 4: 5)... أكرّر
قولي بأن التجديف لا يمكن أن يثبت على إنسان بأي حال من الأحوال مادام على قيد
الحياة.]
لماذا
يغفر لمن يجدّف على ابن الإنسان ولا يغفر لمن يجدّف على الروح القدس؟
يقول
القدّيس أغسطينوس: [حقًا إن كل خطيّة وتجديف يُغفر للبشر ليس فقط، ما يقال ضدّ ابن
الإنسان. فمادامت لا توجد خطيّة عدم التوبة، هذه التي توجّه ضدّ الروح القدس الذي
به تغفر الكنيسة جميع الخطايا، فإن جميع الخطايا تُغفر... إن قول رب المجد: "من
قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له وأما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له"
لا يعني أن الروح القدس أعظم من الابن، فإنّنا لم نسمع عن هرطقة نادت بهذا. إنّما
يُقصد بهذا أن من يقاوم الحق ويجدّف عليه، أي على المسيح بعد إعلانه عن ذاته بين
البشر، إذ "صار جسدًا وحلّ بيننا" (يو 1: 14)... ولم يقل كلمة على الروح
القدس أي عاد فتاب عن مقاومته وتجديفه على المسيح فإن خطاياه تغفر له... الروح
القدس مساوٍ للآب والابن الوحيد في الجوهر حسب لاهوته.]
هكذا
يوضّح القدّيس أغسطينوس أن كل تجديف يغفر، إنّما خص "التجديف على الروح القدس"
يقصد عدم التوبة وليس تمييزًا له عن الآب والابن.
أوضح
القدّيس أيضًا أن الآب يغفر الخطايا (مت 6: 14) والابن يغفر الخطايا (مت 9: 6)،
لأن المغفرة هي عمل الثالوث القدّوس، لكنها تخص الروح القدس بكونه روح التبنّي (رو
8: 15)، وواهب الشركة (في 2: 1).... لذلك فإن غفران الخطايا لا يوهب إلا بالروح
القدس خلال الكنيسة الجامعة التي لها الروح القدس!
سادسًا:
الظروف المحيطة التي نطق فيها السيّد هذه الكلمات
يقول
القدّيس أغسطينوس: [لقد شرح الرب بوضوح ما رغب أن يعرِّفنا إيّاه: وهو أن من يجدف
على الروح القدس - أي يقاوم بعدم توبته - ويقاوم وحدة الكنيسة التي فيها يعطي
الروح القدس مغفرة الخطايا، لا يأخذ هذا الروح القدس... ولئلا يظن أحد أن ملكوت
المسيح منقسم على ذاته بسبب هؤلاء الذين يجتمعون في جماعات شاذّة خارج الحظيرة تحت
اسم المسيح، لذلك أردف قائلاً: "من ليس معي فهو عليّ ومن لا يجمع معي فهو
يفرق" (مت 12: 30)... فالذي يجمع بدون المسيح، مهما جمع باسمه لا يكون معه
الروح القدس. وبهذا يجبرنا على أن نفهم بأنه لا يتمّ الغفران عن أي خطيّة أو تجديف
- بأي حال من الأحوال - إلا باتّحادنا معًا في المسيح الذي لا يفرق...]
كأن
السيّد المسيح في حديثه عن "التجديف على الروح القدس" ليس فقط يحذِّر من
عدم نوال المغفرة بسبب عدم التوبة، إنّما يطالب بما هو إيجابي: وهو "العمل
لحساب المسيح"، فمن لا يعمل معه يكون كمن هو مقاوم له! فالمسيحي ملتزم بالعمل
لحساب المسيح لبنيان الكنيسة، وإلا حُسب كمن يهدم مملكته. وكما يقول القدّيس جيروم:
[من ليس للمسيح فهو لضد المسيح[543].]، ويقول القدّيس كبريانوس: [من يكسر سلام
المسيح واتّفاقه يصنع هذا في مضاداة له؛ من يجمع في غير الكنيسة (جماعات الهراطقة)
يبعثر الكنيسة[544].] لهذا يقول القدّيس أمبروسيوس: [إنه يتحدّث هنا عن الذين
يخرِّبون وحدة الكنيسة[545].]
حين
قاومت عائلة هليودرسHeliodrus ذهابه إلى
الدير بطريقة قاسية ومرّة، كتب إليه القدّيس جيروم يذكره بقول السيّد المسيح:
"من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق"، قائلاً: [تذكَّر
اليوم الذي سُجِّل اسمك في سجلاّت الكنيسة حينما دُفنت مع المسيح في المعموديّة،
وتعهَّدت أن تكون مخلصًا له، معلنًا أنك لأجله تترك أباك وأمك. حقًا إن العدوّ
يجاهد أن يذبح المسيح في صدرك... فلتهرب بعيون باكية إلى الصليب.]
والبابا
شنوده يقول
ليس
التجديف على الروح القدس هو عدم الايمان بالروح القدس ولاهوته وعمله ... وليس هو
ان تشتم الروح القدس ...
فالملحدون
اذا امنوا , يغفر الله لهم عدم ايمانهم القديم وسخريتهم بالله وروحه القدوس ...
كذلك
كل الذين تبعوا مقدونيوس فى هرطقته وانكاره لاهوت الروح القدس , لما تابوا قبلتهم
الكنيسة واعطتهم الحل والمغفرة ...
اذن
ما هو التجديف على الروح القدس ؟؟ وكيف لا يغفر ؟؟؟؟؟
التجديف
على الروح القدس
هو
الرفض الكامل الدائم لكل عمل للروح القدس فى القلب , رفض يستمر مدى الحياة ...
وطبعا
نتيجة لهذا الرفض , لا يتوب الانسان , فلا يغفر الله له ...
ان
الله من حنانه سقبل كل توبة ويغفر .. وهو الذى قال " من يقبل الى , لا اخرجه
خارجا - يو 6 : 37 , وصدق القديسون فى قولهم :
لا
توجد خطية بلا مغفرة , الا التى بلا توبة ...
فأذا
مات الانسان فى خطاياه , بلا توبة , حينئذ يهلك , حسب قول الرب " ان لم
تتوبوا , فجميعكم كذلك تهلكون " لو 13 : 5 ...
اذن
عدم التوبة حتى الموت , هى الخطية الوحيدة التى بلا مغفرة .. فأن كان الامر هكذا ,
يواجهنا هذا السؤال :
ماعلاقة
عدم التوبة بالتجديف على الروح القدس ؟؟؟؟؟؟؟
علاقته
واضحة .. وهى ان الانسان لا يتوب , الا بعمل الروح فيه .. فالروح القدس هو الذى
يبكت الانسان على الخطية - يو 16 : 8 .. وهو الذى يقوده فى الحياة الروحية ويشجعه
عليها .. وهو القوة التى تساعد على كل عمل صالح ...
ولا
يستطيع احد ان يعمل عملا روحيا , بدون شركة الروح القدس ...
فأن
رفض شركة الروح القدس " 2 كو 13 : 14 " , لا يمكن ان يعمل خيرا على
الاطلاق . لان كل اعمال البر , وضعها الرسول تحت عنوان " ثمر الروح "
" غل 5 : 22 " ...
والذى
بلا ثمر على الاطلاق , يقطع ويلقى فى النار كما قال الكتاب " مت 3 : 10
" , " يو 15 : 4 , 6 " ...
الذى
يرفض الروح اذن : لا يتوب , ولا يأتى بثمر روحى ...
فأن
كان رفضه للروح , رفضا كاملا مدى الحياة , فمعنى ذلك انه سيقضى حياته كلها بلا
توبة , وبلا اعمال بر , وبلا ثمر الروح ...
وطبيعى
انه سيهلك ..
وهذه
الحالة هى التجديف على الروح القدس ...
انها
ليست ان الانسان يحزن الروح " اف 4 : 30 " , ولا ان يطفئ الروح " اتس
5 : 19 " , ولا ان يقاوم الروح " أع 7 : 51 " , انما هى رفض كامل
دائم للروح , فلا يتوب , ولا يكون له ثمر فى حياة البر ...
وهنا
يواجهنا سؤال يقوله البعض , ويحتاج الى اجابة :
ماذا
ان رفض الانسان كل عمل للروح , ثم عاد وقبله وتاب ؟؟؟؟؟
نقول
ان توبته وقبوله للروح , ولو فى اخر العمر , يدلان على ان روح الله مازال يعمل فيه
, ويقتاده للتوبة ...
اذن
لم يكن رفضه للروح رفضا كاملا دائما مدى الحياة ...
فحالة
كهذه ليست هى تجديفا على الروح القدس , حسب التعريف الذى ذكرناه ...
ان
الوقوع فى خطية لا تغفر , عبارة عن حرب من حروب الشيطان ...
لكى
يوقع الانسان فى اليأس , ويهلكه باليأس . ولكى يوقعه فى الكأبة التى لا تساعده على
اى عمل روحى ...
اما
صاحب السؤال فأقول له :
مجرد
سؤالك يدل على اهتمامك بمصيرك الابدى . وهذا من عمل الروح فيك ...
اذن
ليست هذه حال التجديف على الروح ...
بقى
ان نجيب على الجزء الاخير من السؤال :
هل
تتفق عدم المغفرة , مع مراحم الله ؟؟؟
اقول
ان الله مستعد دائما ان يغفر , ولا يوجد شئ يمنع مغفرته مطلقا ... ولكن المهم ان
يتوب الانسان ليستحق المغفرة ...
فأن
رفض الانسان التوبة ,
يظل
الرب ينتظر توبته ولو فى اخر لحظات الحياة , كما حدث مع اللص اليمين ...
فأن
رفض الانسان ان يتوب مدى الحياة , ورفض كل عمل للروح فيه الى ساعة موته ,
يكون
هو السبب فى هلاك نفسه ,
وليس
الله الرحوم هو السبب ..
تبارك
اسمه ...
المصادر
مكتوب
من كتاب( منقول ) ...
سنوات
مع اسئلة الناس
اسئلة
لاهوتية وعقائدية "
قداسة
البابا شنودة الثالث
والمجد
لله دائما
0 التعليقات:
إرسال تعليق