هناك عدة اسئلة تطرح نفسها عن سبب
خطبة العذراء ليوسف النجار:
اضغط علي الصورة
إذا كانت القديسة مريم قد اختارت
البتولية فلماذا خطبت ليوسف النجار؟
هل اتفق يوسف النجار مع العذراء أو
كان فى نيتها الزواج الفعلى وإنجاب الأطفال؟
ماذا يعنى قول الملاك ليوسف "خذ
الصبى وأمه واهرب إلى ارض مصر"؟
والكتاب المقدس والتقليد يجيبان على
هذه الأسئلة وغيرها بدقة ووضوح.
1ـ عذراء إلى الأبد:
تتضح نية القديسة مريم من عدم إعتزام
الزواج الفعلى واعتزام البتولية كل ايام حياتها من موقفها عند بشارة الملاك لها
بالحبل بالطفل الإلهى. فلما قال لها الملاك: "ها انت ستحبلين وتلدين أبنآ
وتسمينه يسوع".
سألت هى الملاك فى دهشة واستغراب
قائلة:
"كيف يكون لى هذا وانا لا أعرف
رجلاً"؟
وسؤال العذراء هذا يؤكد بما لا يدع
مجالاً من الشك انها لم تفكر فى الزواج والإنجاب مطلقاً . فلو كانت قد اعتزمت
الزواج من يوسف لما كانت قد سألت الملاك هذا السؤال على الإطلاق بل لأعتقدت أن هذا
(الحبل) سيتم بعد الدخول الفعلى بيوسف خاصة وانها مخطوبة له. ولكن سؤالها يؤكد
إنها لم تفكر فى الزواج والحبل مطلقاً. ومما يؤكد ذلك أن سؤالها للملاك يشبه
أستفسار زكريا الكاهن عندما بشره الملاك بحبل زوجته وإنجابها ليوحنا المعمدان فقال
"كيف اعلم هذا لأنى شيخ وإمرأتى متقدمة فى أيامها" وكذلك إستغراب سارة
وضحكها عندما بشر الرب ابراهيم بولادة اسحق "وكان إبراهيم وسارة شيخين
متقدمين فى الأيام. وقد انقطع ان يكون لسارة عادة كالنساء. فضحكت سارة فى باطنها
قائلة أبعد فنائى يكون لى تنعيم وسيدى قد شاخ.. ضحكت سارة قائلة أفبالحقيقه ألد
وانا قد شيخت".
زكريا استغرب واندهش من بشارة الملاك
لأن زوجته كانت عاقراً كما إنهما قد شاخا وهناك استحالة حتى فى مجرد التفكير فى
الإنجاب بحسب المقاييس البشرية وكذلك سارة. زكريا استفسر من الملاك عن كيفية حدوث
ذلك غير مصدق وسارة ضحكت غير مصدقة والقديسة مريم اندهشت واستغربت "كيف يكون
لى هذا وانا لست اعرف رجلاً"؟ . زكريا وسارة لم يصدقا مطلقاً قبل البشارة
انهما سينجبان وبعد البشارة شكا لأن الطبيعة تقول أن هذا محال والعذراء مريم
استغربت حدوث الحبل والولادة لإنها نذرت البتولية، فكان المعجزة ان الشيوخ ـ
إبراهيم وسارة وزكريا واليصابات ـ ينجبون اسحق ويوحنا والعذراء تحبل وتلد الإله
المتجسد وتظل عذراء إلى الأبد. فأمنت العذراء على الفور قائلة: "هوذا أنا امة
الرب ليكن لى كقولك".
قال القديس اغسطينوس
"بالتأكيد ما كانت تنطق بهذا (كيف
يكون لى هذا..) ولم يوجد نذر مسبق بأن تقدم بتوليتها لله وقد وضعت فى قلبها ان
تحققه".
وقال ذهبى الفم
"كيف يكون لى هذا وانا لا أعرف
رجلآ، ليس شكاً بل أستفساراً وهو دليل على انها أعتزمت البتوليه" .
وقال القديس امبروسيوس
"لم ترفض مريم الإيمان بكلام
الملاك ولا اعتذرت عن قبوله بل أبدت أستعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا"؟
فلا تنم عن الشك فى الأمر قط إنما تساؤل عن كيفية إتمام الأمر…لأنها تحاول ان تجد
حلاً للقضية.. فمن حقها ان تعرف كيف تتم الولادة الإعجازية العجيبة".
2ـ لماذا
خطبت مريم ليوسف؟
بشر الملاك مريم انها ستحبل بقوة
الروح القدس وبدون زرع بشر وإنها ستلد القدوس، فماذا يقول عنها الناس عندما
يجدونها حامل وهى غير متزوجة؟ والأجابة هى إنها ستتهم بالزنا وترجم حتى الموت، حسب
الشريعة. أو ان يقوم الجنين بإعلان حقيقة الوهيته بقوات وعجائب كما سجد له
المعمدان وهو جنين فى بطن أمه ، ولكن السر الإلهى، سر التجسد كان لابد يخفى عن
الشيطان الذى لو علم به وتيقن منه لكان، على الأقل، قد حاول ان يفسر عمل الفداء
ومن ثم يحاول تعطيله. لكن الشيطان لم يعلم هذه الحقيقة، حقيقة الحبل الإلهى ـ إلا
بعد القيامة وحلول الروح القدس.
قال القديس اغناطيوس
"أما رئيس هذا العالم فقد جهل
بتولية العذراء وايلاها وكذلك موت الرب".
ويرى العلامة اوريجانوس بأن وجود
خطيب او رجل لمريم ينزع كل شك من جهتها عندما يظهر الحمل عليها".
قال القديس امبروسيوس عن خطبة
العذراء ليوسف
"ربما لكى لا يظن إنها زانية. ولقد
وصفها الكتاب بصفتين فى أن واحد، انها زوجة وعذراء. فهى عذراء لأنها لم تعرف
رجلاً، وزوجة تحفظ مما قد يشوب سمعتها، فأنتفاخ بطنها يشير إلى فقدان بتوليتها (فى
نظر الناس). هذا وقد اختار الرب ان يشك فى نسبه الحقيقى عن ان يشكوا فى طهارة أمه لم
يجد داعياً للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته" .
ويضيف "هناك سببآ أخر لا يمكن
اغفاله وهو ان رئيس هذا العالم لم يكتشف بتولية العذراء فهو إذا رأها مع رجلها، لم
يشك فى المولود منها، وقد شاء الرب ان ينزع عن رئيس هذا العالم معرفته".
وقد زكر القديس جيروم عدة اسباب
لخطبة مريم ليوسف
اولاً: لكى ينسب (المسيح) للقديس
يوسف قريب القديسة مريم، فيظهر إنه المسيا الموعود به من نسل داود من سبط يهوذا.
ثانياً: لكى لا تُرجم القديسة مريم
طبقاً للشريعة الموسوية كزانية، فقد سلمها الرب للقديس البار الذى عرف بر خطيبته وأكد
له الملاك سر حبلها بالمسيا المخلص
ثالثاً: لكى تجد القديسة معها من
يعزيها خاصة اثناء هروبها من مصر.
قال ذهبى الفم:
"مع العلم ان عذراوية مريم كانت
سرآ مخفيآ عن الشيطان مثل امر صلبه".
قال الأنبا بولس البوشى:
"ذكر انها خطبت ليوسف لكى ما
يخفى الرب تدبير التجسد عن الشيطان. لأن النبوه تذكر بأن العذراء تحبل وتلد ابناً
ويدعوا اسمه عمانوئيل. ولهذا كانت البشارة بعد خروج السيدة العذراء من الهيكل إلى
بيت يوسف ليخفى سر الحبل فى ذلك".
قال العلامة يوحنا الدمشقى:
"ولما كان عدو خلاصنا يترصد
العذارى لسبب نبؤة اشعياء القائل "ها العذراء… " . ولكن لكى يصطاد
الحكماء بخدعتهم" ـ فلكى يخدع المتباهى دوماً بحكمته ـ دفع الكهنة بالصبية
للزواج من يوسف، وكان ذلك "كتاب جديد مختوم لمن يعرف الكتابة". فأصبح
الزواج حصناً للعذراء وخدعه لمترصد العذارى" .
قال القديس أغريغوريوس الصانع
العجائب:
"أرسل جبرائيل إلى عذراء مخطوبة
لكنها لم تتحد معه، إنها مخطوبة ولكنها لم تمس. لماذا كانت مخطوبة؟ حتى لا يدرك
الشرير (الشيطان) السر قبل الأوان فقد كان عارفاً ان الملك سيأتى من عذراء إذ سمع
ما جاء فى اشعياء … وكان يهتم ان يعرف العذراء ويتهمها بالعار، لهذا جاء الرب من
عذراء مخطوبة حتى يفسد حيل الشيطان لأن المخطوبة مرتبطة بمن سيكون رجلها".
3ـ كيف تمت خطبة العذراء مريم ليوسف؟
وندرس هنا ثلاث نقط:
1ـ كيفية اتمام الخطبة والزواج فى
بنى إسرائيل وقت ميلاد المسيح.
2ـ متى تمت خطبة العذراء مريم ليوسف.
3ـ هل كان يوسف النجار فتى أم شيخ؟
يقول التقليد والأباء ان الخطبة كانت
تتم، حسب عادة اليهود، رسميآ أمام الكهنة، والشريعة تعتبر المخطوبة كالمتزوجة
تمامآ ـ عا العلاقات الزوجية، وتدعى زوجة وتصبح أرمله ان مات خطيبها وتتمتع بجميع
الحقوق المالية إن مات خطيبها او طلقت منه، ولايمكن ان يتخلى عنها خطيبها إلا
بكتاب الطلاق، كالزوجة تماماً، وإذا زنت تعتبر خائنة لزوجها وتعامل معاملة الخائنة
وليس معاملة العذراء الغير مرتبطة برجل.
ويروى التقليد ان العذراء مريم خطبت
ليوسف رسمياً أًمام كهنة اليهود بعقد رسمى وكما يروى الكتاب والتقليد أيضاً فقد
احتفظ بها فى بيته فى الناصره. فكانت فى نظر بنى إسرائيل خطيبته، وإمرأته، فهو
رجلها، وقال له الملاك: "لا تخف ان تأخذ مريم أمرأتك".
قال ذهبى الفم:
"وهنا يدعوا الخطيبة زوجة كما
تعود الكتاب ان يدعوا المخطوبين أزواج قبل الزواج، وماذا تعنى "تأخذ"؟
اى تحفظها فى بيتك لأنه بالنية قد أخرجها، احفظ هذه التى أخرجتها كما قد عهد بها
إليك من قبل الله وليس من قبل والديها".
اما متى تمت خطبة العذراء مريم
ليوسف، فهذا يتضح من الزمن المستخدم فى اللغة اليونانية فى قوله "كانت مريم
مخطوبة ليوسف" والذى يبين أن الخطبة كانت قد تمت حديثاً جداً وبما قبل ظهور
الملاك لها بأيام قليلة جداً. وهذا مايبين قصد الله من خطبة العذراء ليوسف، فقد
خطبت قبل الوقت المعين للبشارة بوقت قليل، لتصبح تحت حماية رجل، ولأنها نذرت
بتوليته إلى الأبد فقد عاش معها يوسف النجار التى تجمع التقاليد على إنه كان شيخاً
وعاش معها فى حالة قداسه كامله.
قال تاتيان عن علاقة يوسف بمريم
العذراء:
"كان يسكن معها فى قداسة".
مما سبق يتضح ان ما تصوره بعض
الأفلام الأوربية وماتدعيه بعض الطوائف المتطرفه عن صبا مريم ويوسف أو عن وجود نية
للزواج بينهما لا أساس له من الصحة سواء عقلياً او تاريخياً او كتابياً.
4ـ خذ الصبى وأمة
هناك نقطة هامة فى بحث العلاقة بين
القديسة مريم ويوسف النجار وهى إننا لا نجد نصاً واحداً فى الكتاب خاصة بعد ميلاد
الطفل الإلهى يشير او يشتم منه اى صله زواجية بين يوسف النجار والعذراء بل على
العكس تماما فبعد الميلاد يخاطب الملاك يوسف ويقول له قم وخذ الصبي وأمة وأهرب إلى
ارض مصر"ومتى الإنجيلى يقول "فقام وأخذ الصبى وأمه"ثم يخاطبه
الملاك فى مصر أيضاَ قائلاً: "قم خذ الصبى وأمه واذهب إلى ارض إسرائيل.. فقام
وأخذ الصبى وأمه وجاء إلى ارض إسرائيل".
الوحى يخاطبه بالقول "خذ الصبى
وأمه" وليس الصبى وزوجتك، مما يدل ويؤكد انه لم يصبح زوجآ فعليآ بعد ميلاد
الطفل الإلهى وانه لم يكن له اى صله زواجيه بها وإلا لكان قال له "خذ الصبى
وزوجتك" وليس "الصبى وأمه". ولكن قول الملاك هذا وتأكيد الإنجيلى
يؤكدان ان مهمة يوسف كخطيب وزوج قد نجحت فى حماية العذراء من الأتهام بالزنا كانت
مهمة شرعية وظاهرية أمام الناس ولأخفاء سر التجسد والفداء عن الشيطان وليست علاقه
زواجيه. بل ان ذلك يؤكد لا لبس فيه ولا غموض أن يوسف كان رجلاً باراً من تهمة
الزنا وعقوبة الرجم فصار زوجاً لها على الورق وأمام بنى إسرائيل فقط، وأيضاً
للهروب بالصبى وأمه إلى مصر ثم العودة إلى إسرائيل والسكن فى الناصرة وإعطاء الصبى
اسم يوسف كأب أمام الناس بالإضافة إلى حرفة النجارة فقيل عنه:
"وهو (يسوع) على ما كان يظن ابن
يوسف".
"يسوع ابن يوسف الذى من الناصرة".
"أليس هذا هو يسوع ابن يوسف
الذى نحن عارفون بأبية وأمه".
"أليس هذا ابن النجار".
قال ذهبى الفم
"وقال الملاك ليوسف "خذ
الصبى وأمه" ولم يقل له "زوجتك" هذا الكلام بعد الولادة يثبت إنها
لم تعد زوجه له بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت مع المسيح وليست معه".
وقال القديس باسيليوس
"ان المسيحيون لا يطيقون أن
يسمعوا بزواج العذراء بعد ولادة السيد المسيح لأنه على خلاف ما تسلموه من آبائهم".
0 التعليقات:
إرسال تعليق