جاء في مرقس [ 13 : 32 ] أن المسيح بعدما سئل
عن موعد الساعة قال : ” وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ
يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ
الاِبْنُ، إِلاَّ الآبُ “.
ونحن نسأل :
إذا كان الإبن هو الاقنوم الثاني من الثالوث
حسبما يعتقد المسيحيون فكيف ينفي الابن عن نفسه العلم بموعد الساعة ويثبته للأب
فقط ؟! ولا يصح أن يقال ان هذا من جهة ناسوته لأن النفي جاء عن الابن مطلقاً واثبت
العلم بالموعد للأب فقط . وان تخصيص العلم بموعد الساعة للأب فقط هو دليل على
بطلان ألوهية الروح القدس . وأن لا مساواة بين الاقانيم المزعومة .
يقول القمص تادرس يعقوب ملطي :
قبل أن يختم حديثه بالدعوة للسهر أراد أن يوجه
أنظار تلاميذه إلى عدم الانشغال بمعرفة الأزمنة والأوقات، إنما بالاستعداد بالسهر
المستمر وترقب مجيئه، لهذا قال : “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد
ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب “.
وللرد عليه نقول :
لا يحق لك أيها القمص الفاضل ان تتهم المسيح
بالكذب .. من أجل ماذا ؟؟ حتى لا يشتغل تلاميذه بالأوقات ؟؟
هل عندما أوجهك إلى عدم الاشتغال بشيء أكذب
عليك وأقول لا أعرفه ؟ أم أن الأصح أقول لك لا تشتغل به لأنك لن تعرفه !
عندما سأل أحدهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
: متى الساعة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم – : وماذا أعددت لها ؟ دون أن يلجأ إلى
الكذب لصرف الرجل إلى الأهم وهو الإعداد لها .
+ لنعيد ترتيب الأولوليات
أولا نعرف أن المسيح كونه الأبن الوحيد لأبيه ،
فهو يعلم كل شئ عن أبيه في إطار المعرفة الذاتية ، وأما عن إعلان ابيه لنا ، فهذا
خاضع لإرادة الابن
كل شيء قد دفع اليّ من ابي . وليس احد يعرف
الابن الا الآب . ولا احد يعرف الآب الا الابن ومن اراد الابن ان يعلن له. (متى 11:
27 ، لوقا 10: 22)
من هذه النقطة ننطلق بأن الابن يعلم كل شئ ،
فهو يعلم ملء أبيه ، لأنه واحد معه ، ، والذي يحدد مقدار معرفتنا بالآب هو إرادة
الابن
وهذا هو ما أكده الوحي ايضا
لمعرفة سرّ الله الآب والمسيح . المذّخر فيه
جميع كنوز الحكمة والعلم. (كولوسي 2: 2-3)
فكل العلم والحكمة مذخرة في الابن
إذا من الوحي لا جدال في علم الابن المطلق ،
ومن هذا العلم ننهل طبقا لمشيئته
ثم نضيف
————————–
ثانيا : الابن هو نفسه الديان في آخر الأيام بل
أنه أخذ سلطان الآب لنفسه فالآب لا يدين أحد إلا بواسطة ابنه
“لان الآب لا يدين احدا بل قد اعطى كل الدينونة
للابن.” (يوحنا 5: 22)
فكيف يكون هو الديان بينما لا يعلم بوقت مجيئة
للدينونة ؟
بوضع المعادلة مكتملة عن علم الابن المطلق ثم
سلطانه في الدينونة ، لا يساورنا الشك بعلم الابن بالساعة التي سوف يقوم فيها
بدينونة العالم
فيتحول السؤال إلى : لماذا اعلن المسيح بأنه
الابن لا يعلم الساعة على الرغم أنه له ملء العلم ؟
تتلخص الإجابة في أنه لا يريد –لا أنه لا يعرف-
أن يعلن عن الساعة للتلاميذ
وهذا ما يقول به الآباء
فالقديس أمبروسيوس يؤكد بأن السيد المسيح هو
الديان وهو الذي قدم علامات يوم مجيئه لذا فهو لا يجهل اليوم. هذا وإن كان يوم
مجيئه هو “السبت” الحقيقي الذي فيه يستريح الله وقديسوه فكيف يجهل هذا اليوم وهو “رب
السبت” (أنجيل متى 12: 18)؟
والقديس أغسطينوس يقول [حقًا إن الآب لا يعرف
شيئًا لا يعرفه الابن، لأن الابن هو معرفة الآب نفسه وحكمته، فهو ابنه وكلمته
وحكمته. لكن ليس من صالحنا أن يخبرنا بما ليس في صالحنا أن نعرفه... إنه كمعلم
يعلمنا بعض الأمور ويترك الأخرى لا يُعَرِّفنا بها. إنه يعرف أن يخبرنا بما هو
لصالحنا ولا يخبرنا بالأمور التي تضرنا معرفتها].
كما يقول: [قيل هذا بمعنى أن البشر لا يعرفونها
بواسطة الابن، وليس أنه هو نفسه لا يعرفها، وذلك بنفس التعبير كالقول: "لأن
الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم" (تث 13: 3)، بمعنى أنه يجعلكم تعلمون. وكالقول:
"قم يا رب" (مز 3: 7)، بمعنى "اجعلنا أن نقوم"، هكذا عندما
يُقال أن الابن لا يعرف هذا اليوم فذلك ليس لأنه لا يعرفه وإنما لا يظهره لنا.]
وبنفس الفكر يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بقوله
"ولا ملائكة" يسد شفاهم عن طلب معرفة ما لا تعرفه الملائكة، وبقوله "ولا
الابن" يمنعهم ليس فقط من معرفته وإنما حتى عن السؤال عنه.]
كما يرى القديس إيريناؤس أنه وإن كان السيد
المسيح العارف بكل شيء لم يخجل من أن ينسب معرفة يوم الرب للآب وحده كمن لا يعرفه،
أفلا يليق بنا بروح التواضع أن نقتدي به حين نُسأل في أمور فائقة مثل كيفية ولادة
الابن من الآب أن نُعلن أنها فائقة للعقل لا نعرفها. (من تفسير القمص تادرس ملطي)
————————–
ثالثا : يؤيد فكرة عدم رغبة المسيح في الإعلان (لا
عدم معرفته) قوله في بقية الحوار
“اسهروا اذا.لانكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت
أمساء ام نصف الليل أم صياح الديك ام صباحا.” (مرقس 13: 35)
فالهدف هو أن يدعوهم للسهر والأعمال الصالحة ،
لا أن يستعدوا مسبقا بمعرفة الساعة
المسيح يتكلم عن رب واحد للبيت ، عن شخصه كديان
، كونهم لا يعلمون وقت مجئيه فهو كرب البيت يعلم
————————–
رابعا : اتفاق الآباء مبني على الفكر الإنجيلي
بعدم الفصل بين الأقانيم
فالابن في لاهوته يعلم بأبيه ، كما أن الآب
يدين بابنه
فلا الآب فقد سلطانه في الدينونة كونه منحها
لإبنه (يوحنا 5: 22)، ولا الابن فقد معرفته بوقت الدينونة ، كونه لم يخبرها
لتلاميذه ، لأنهما طبيعة إلهية واحدة
وهذه هي قمة الوحدة بين الأقانيم
فلهذا يعطي الآب كامل الدينونة للابن وكأنها لا
يملكها وهو يملكها لأنه واحد مع ابنه ، بينما يعطي الابن معرفة الأوقات للآب وكأنه
لا يملكها وهو يملكها لأنه جوهر العقل الناطق الإلهي الواحد مع ابيه (يوحنا 1:1)
وإذا كان الآب قد جعل الأزمنة في سلطانه
” فقال لهم ليس لكم ان تعرفوا الازمنة والاوقات
التي جعلها الآب في سلطانه.” (أعمال 1: 6-7)
فهو قد دفع كل سلطان للأبن ” فتقدم يسوع وكلمهم
قائلا.دفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الارض.” (متى 28: 18)
————————–
خامسا : الله في تجسده صالح العالم لنفسه
بناسوته
” اي ان الله كان في المسيح مصالحا العالم
لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة.” (2 كرونثوس 5: 19)
والابن هنا (في خصوص العلم بالساعة) يعلن أيضا
لتلاميذه أن ناسوت المصالحة لن يكون وسيطا لمعرفة الساعة
ناسوته كأداه إعلان خلاص ، لن يكون أداة إعلان
أزمنة
ولهذا لم يكن المسيح كاذبا لأن الابن بحسب
انسانيته (لا يعلم) أي لن يكون وسيطا للعلم بالساعة ، فقط للخلاص
المصالحة والوساطة بناسوته سيكونان للفداء
والتوبة ، ولن يكونا لمعرفة الأوقات التي حددها اللاهوت لنهاية الزمان
————————–
أخيرا: من المثير للضحك أن يستشهد المسلم بصدق
رسوله بينما هو نفسه الرسول الذي أباح الكذب في ثلاث
“مسلم 6799 – حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ
يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ
كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ
اللاَّتِى بَايَعْنَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا
سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ « لَيْسَ
الْكَذَّابُ الَّذِى يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِى
خَيْرًا ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِى شَىْءٍ مِمَّا
يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِى ثَلاَثٍ الْحَرْبُ وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ
النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق