فوائد وبركات الصلاة بالأجبية
عنصر الوعظ
تشتمل صلوات الأجبية على عنصر تعليمي وعظي إلى جانب العبادة
والتأمل، ونحن في أشد الحاجة لهذا العنصر الوعظي لنتعلم منه كل يوم حينما نمارس
صلواتنا اليومية بالأجبية حسب نصيحة الرسول "عظوا أنفسكم كل يوم مادام الوقت
يدعى اليوم لكي لا يقسى أحد منكم بغرور الخطية" (عب 3: 13)
وهذا العنصر الوعظي الموجود بالأجبية يضع أمام المؤمن إرشادًا
روحيًا يوميًا يسلك في الحياة بمقتضاه، ومن أروع الأمثلة على ذلك صلاة باكر إذ
تقدم لنا فيها الكنيسة خطة روحية لسلوكنا اليومي، فتبدأ صلاة باكر بقطعة من رسالة
معلمنا بولس الرسول إلى أهل أفسس تقول "أسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا
كما يحق للدعوة التي دعيتم إليها بكل تواضع القلب وطول الأناة محتملين بعضكم بعضًا
بالمحبة مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل" (أف 4: 1)
هذه خطة روحية يلزمنا أن نعرفها قبل خروجنا من منازلنا لكي
نعرف كيف نتعامل مع الناس بروح الاتضاع والمحبة والاحتمال.
· يكملها المزمور الأول فيحذرنا من السلوك في مشورة المنافقين
ومن الوقوف في طريق الأشرار والمشي معهم، ومن الجلوس في مجالس المستهزئين
ومشاركتهم خطاياهم وشرورهم، هذا من الناحية السلبية، أما من الناحية الإيجابية
فيدعونا أن نلهج ونتأمل في ناموس الرب نهارا وليلا ويكون هو موضوع مسرتنا وتعزيتنا
واهتمامنا فنصير نافعين لأنفسنا ولغيرنا ومثمرين كشجرة مغروسة على مجارى المياه
تعطى ثمرها في حينه وورقها لا ينتثر وكل ما نصنعه ننجح فيه (مز 1) لأن الرب يكون
معنا كما كان مع يوسف فكان رجلا ناجحا (تك 39: 2) وكما كان مع داود "فكان
مفلحا في جميع طرقه" (1 صم 18: 14)
· يُضاف إلى هذا مزامير أخرى وعظية مثل مزمور "يا رب من
يسكن في مسكنك أو من يحل في جبل قدسك. إلا السالك بلا عيب الفاعل البر المتكلم في
قلبه بالحق الذي لا يغشى بلسانه ولا يصنع بقريبه سوءًا، ولا يتفوَّه شرًا على
جيرانه.." (مز 15)
· وعبارات أخرى مشابهه في مزمور 23 وهو من مزامير الساعة
الثالثة "من يصعد إلى جبل الرب أو من يقوم في موضع قدسه. الطاهر اليدين النقي
القلب الذي لم يحمل نفسه إلى الباطل ولم يحلف بالغش. هذا ينال بركة من الرب ورحمة
من الله مخلصه".
· كذلك نجد عبارات وعظية مشابهة في مزمور 24 حيث يقول
"لم أجلس في محفل باطل ومع مخالفي الناموس لم أدخل. ابتعدت عن مجمع الأشرار
ومع المنافقين لم أجلس... أحببت جمال بيتك وموضع مسكن مجدك.
· أيضًا نجد عبارات نافعة عن كلمة الله الحية في مزمور 11
يقول فيها "شهادة الرب صادقة تعلم الأطفال. فرائض الرب مستقيمة تفرح القلب.
وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بعد. خشية الرب ذكية دائمة إلى أبد الأبد. أحكام
الرب حق وعدل معا. عبدك يحفظها وفي حفظها ثواب عظيم".
· والمزمور 40 من مزامير الساعة الثالثة عظة قوية عن الرحمة
وبركاتها حيث يقول المرنم "طوبى لمن يتعطف على المسكين، في يوم الشر ينجيه
الرب. الرب يحفظه ويحييه ويجعله في الأرض مغبوطًا، ولا يسلمه لأيدي أعدائه، الرب
يعينه على سرير وجعه".
· وباقي الصلوات الأخرى لا تخلو من العنصر الوعظي مثال ذلك
إنجيل الساعة السادسة وما فيه من تطويبات للمساكين بالروح أي المتواضعين،
وللتائبين الحزانى على خطاياهم وللودعاء وللجياع والعطاش إلى البر وللرحماء ولأنقياء
القلب ولصانعي السلام وللمضطهدين من أجل البر والحق والفضيلة.
· في الساعة التاسعة نتمتع بهذا الإرشاد الروحي الجميل في
مزمور رحمة وحكمة حيث يقول "كنت أسلك بوداعة قلبي في وسط بيتي أي أن الوداعة
عنده شيء طبيعي لا يتصنعه أمام الآخرين" لم أضع أمام عيني أمرًا يخالف
الناموس. صانعوا المعصية ابتعدت عنهم، لم يلصق بي قلب معوج. الذي يغتاب قريبه سرا
كنت أطرده. المستكبر بعينيه والمنتفخ القلب لم أؤاكله. عيناي على جميع أمناء الأرض
لكي أجلسهم معي. السالك في الطريق بلا عيب هو كان يخدمني.
· هذا من جهة المزامير المركزة في التعليم، ولكن كل قطع
الأجبية وأناجيلها ومزاميرها مملوءة بالتعاليم والتأملات النافعة التي تبنى النفس
وتنير لها الطريق الصالح القويم إذا صليناها بتأن وبتأمل.
كان الآباء يستفيدون كثيرا من تلاوة صلوات المزامير لما فيها
من عنصر الوعظ والتعليم، ويحاولون تنفيذ كل ما يتعلمونه من المزامير، ويوبخون
أنفسهم بشدة إذا شعروا بتقصيرهم في تنفيذ التعاليم التي يتلونها في المزامير أثناء
الصلاة، والقصة التالية من بستان الرهبان توضح ذلك.
*زار أخ شيخا وسأله قائلا كيف حالك؟
*فأجابه الشيخ: أسوأ الأحوال
*فقال له الأخ: لم ذلك
*فأجاب الشيخ قائلا: لأن لي 30 سنة أصلي وصلاتي خلالها عليَّ
لا لي...!
لأني أقف قدام الله وأقول ملاعين الذين حادوا عن وصاياك.
وأحيد عن وصايا الرب.
· أيضًا أفعل الآثام وأقول في الصلاة "لا تتراءف على
فاعلي الآثام"
· أكذب كل يوم وأقول "انك تهلك كل من يتكلم بالكذب"
· أحقد وأقول "أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا
للمذنبين إلينا"
· أخطئ وأقول "عندما يزهر الخطاة ويعلو جميع عاملي الإثم
فهناك يستأصلون إلى الأبد"
· اعمل الاثم وأقول "ابغضت جميع فاعلى الاثم"
· همى كله في الأكل وأقول "نسيت أكل خبزى"
· أنام إلى الصباح وأقول "فى نصف الليل كنت أنهض لأسبحك
على أحكام عدلك"
فقال الأخ: "يا معلم على ما يلوح لى أن المرنم قال ذلك
عن نفسه".
فتنهد الشيخ وقال: صدقنى يا أبنى ان لم نعمل نحن ما نصلى به
قدام الله فإن صلاتنا تكون علينا لا لنا".
شغل النهار كله روحيًا
غالبية الناس قد يذكرون الله في بدء اليوم ونهايته، أما طول
اليوم أثناء فترة المشاغل والمحاربات فتبقى بدون صلاة واتصال بالله، وهذا خطأ، أما
الكنيسة أمنا الرؤوم التي يهمها سعادتنا وخلاصنا فتدعونا للصلاة ورفع قلوبنا لله
طول اليوم عن طريق صلوات الأجبية، فلا تكاد تمر ثلاث ساعات بدون صلاة، فنجد صلاة
الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة... الخ.
وكثرة الصلاة تحفظنا في مخافة الله اليوم كله، كما تحفظنا من
التجارب التي هى أقوى منا.
ألا يعطينا هذا تعليما بأن تبقى صلتنا بالله مستمرة لا تنقطع
طول اليوم حتى نتمتع بمعونة الرب ورعايته.
لو كنا مطيعين ونفذنا قانون الكنيسة على قدر طاقتنا لاحتفظت
قلوبنا بالنقاوة والروحانية من دوام الصلة بالله عن طريق صلوات الأجبية.
وجبة روحية دسمة
شبه أحد الآباء صلوات السواعي في الأجبية بوجبة دسمة ووليمة
عرس فاخرة فيقول:
مقدمة الصلاة هى لباس العرس الذي يؤهلنا ويوجه أفكارنا
وأحاسيسنا إلى التمتع بأطايب هذه الوليمة، وهذا اللباس مكون من ثوب ومنطقة وحذاء.
· فالثوب هو الصلاة الربانية المهداة لنا من رب الوليمة نفسه
الذي أوصانا وقال: "متى صليتم فقولوا أبانا الذي في السموات" (لو 11: 2).
ثوب يغطى كل احتياجاتنا من عند الرأس إلى القدمين، يغطى شئون ابتهالنا إلى الله
وشئون أنفسنا ومن يحيطون بنا، ثوب كامل يطيب للنفس النقية أن ترتديه في هدوء (دون
تعجل) وبعناية (دون إهمال) وببهجة (دون ملل)
· والمنطقة هى صلاة الشكر التي ينبغي أن تحيط بالمسيحي إحاطة
تامة في كل أموره وصلواته "شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح
(أف 5: 20) إذ بها يعترف الإنسان بالفضل لله على كل شيء، ويخلي نفسه من كل شيء،
ويربط كل حواسه بالإقرار القلبي أن كل المعونة والستر والنعمة والحفظ هى من عند
ضابط الكل الرب إلهنا.
· أما عن الحذاء فإنه مزمور التوبة "ارحمني يا الله
كعظيم رحمتك، ومثل كثرة رأفتك" هو انسحاق وندم واستغفار عما لحق الإنسان من
أقذار العالم، وبذلك يمكننا أن نستعمله ليعيننا على المسير في برية هذا العالم دون
أن تنجرح أقدامنا، فهو بمثابة الحذاء الروحي للمؤمن يلبسه علامة على رفضه زلات
القدم إذ قد قدم مشاعر التوبة والحزن والندم.
هذا هو لباس الوليمة السمائية، به يدخل المصلى إلى أطايبها الروحية
فيجد فيها:
1- طعامًا شهيًا
2- خبزًا سمائيًا 3- ماءً
نقيًا
1- طعاما شهيا:
على المائدة الروحية أطعمة شهية كثيرة ومتنوعة يقدمها داود
المرنم الحلو في مزاميره العميقة فهذا مزمور للتمجيد وذاك للتسبيح وثالث للشكر
وآخر للتأمل وغيره لطلب المعونة... الخ
وهكذا تمتلئ الوليمة الروحية بأعظم الأطعمة الشهية التي أوصى
بها الله نفسه.فلا تكتفي يا ولدى برؤيتها فقط، بل خذها لنفسك، كلها جيدا دون تسرع
بل في اتقان ولذة تجدها في فمك فائقة الحلاوة، وستكون في داخلك جزيلة الفائدة.
2- خبزا سمائيًا:
وبجانب هذه الأطعمة الروحية الشهية تجد خبزا سمائيًا تختم به
تأملاتك الروحية في المزامير وهو عبارات الإنجيل التي تسند تأملاتك الروحية لأنها
تناسب زمن الصلاة وتقوى عزيمتك المقدسة، فيا ليتك تصلى الإنجيل بتأن وفهم لكي تعمل
عباراته بعمق في حياتك.
فإذا طابت نفسك بشهيات العتيقة (المزامير) وتمتعت ببركات
الحديثة تجد في الوليمة.
3- ماء نقيًا:
تأملات مطابقة لزمن الصلاة في هيئة قطع من الصلوات الآبائية
ترطب بها جوفك وتؤكد دخول كلمات الصلاة والتأمل داخل حياتك، فخذ من هذا الماء
النقي في تؤده دون تسرع لكي تنال الفائدة العميقة والغذاء الروحي النافع.
· إن لهذه الوليمة يا بنى جوا روحانيا بديعا فائق الروعة
· ففيها عطور التقديس والإيمان: ترتل تقديسات وتردد قانون
إيمان الآباء، وهذه عطور ثمينة ذات روائح جزيلة العظمة، يحس خلالها المسيحي أنه لا
يصلى وحده بل مع الملائكة يقدس ومع الآباء القديسين يؤمن ويسبح ويمجد. والقداسة
والإيمان روائح زكية طاهرة نقية جزيلة الفائدة والبركة.
· بخور زكى الرائحة:
وفى الوليمة بخور زكى الرائحة، صلوات متماثلة متصاعدة إلى فوق
في ترتيب كنسي بديع.
فتردد كثيرا صلاة "يا رب ارحم" ولن يكفينا العمر
كله في ترديد وطلب الرحمة الحنونة من إلهنا المحب، فليكن تكرارها في صلاتك بخورًا
روحيًا جميلًا، لا ترديد بدون فهم، أطلب الرحمة لنفسك في كل أمورك وللآخرين أيضًا،
حدد في كل مرة أمرًا ترجو فيه مراحم الرب.
+ يا رب ارحم من أفكارى الشريرة.
+ يا رب ارحم فلان في ضيقته.
+ يا رب ارحم أولادك من تيار الشر والخطية.
+ يا رب ارحم كنيستك من كل شر.
وهكذا يتصاعد بخور صلواتك واحدًا في منظره ولكنه متنوع فيما
يحمله من طلبات الرحمة ليرتفع مقبولًا أمام الرب.
· ضياء الوليمة:
ها قد استنار عقلك وقلبك من حسن ما لبست وشهى ما تناولت وطيب
ما تمتعت. فلنختم الوليمة، بالضياء هو الصلوات الأخيرة القلبية الخاصة (الارتجالية)
تحدث الله حبيبك عن كل آمالك والآمك، انها همسات القلب من الأعماق، شكرا ومحبة
وفرحا وتسبيحا وتوبة وطلبا وعزما صالحا على السير مع الله حتى النهاية.
الجزء الاول اضغط هنا الجزء الثاني اضغط هنا
الجزء الرابع اضغط هنا
الجزء الاول اضغط هنا الجزء الثاني اضغط هنا
الجزء الرابع اضغط هنا
0 التعليقات:
إرسال تعليق