يُحكى عن القديس " أندرونيكوس "
أنَّه كان يقطن الصحراء، وكعادته كان يخرج من مغارته عند الغروب للتأمل..
وفى إحدى المرات بينما كان القديس يسير في الجبل،
رأى أسداً يُزمجر فخاف منه وابتعد قليلاً عنه،
وأخذ يُصلّي لله وهو يرشم ذاته بعلامة الصليب،
إلاَّ أنَّه لاحظ أنَّ الأسد رابض على الأرض وغير قادر على المشي،
فلابد أنَّ رجله قد أصابها شيء،
فلمَّا رأى شدة توجُّعه اقترب منه،
وإذا بشوكة كبيرة تغوص في إحدى رجليه،
فعندما نزعها هب الأسد مسرعاً بعيداً عنه!!
وتمر الأيام.. ويُقبض على القديس في أيام الاضطهاد
ويُلقى في جُب الأُسود الجائعة،
وتشاء العناية الإلهية أن يكون في الجُب ذلك الأسد،
الذي قد صنع معه معروفاً، ونزع الشوكة التي كانت تؤلمه من رجله،
وكم كانت المفاجأة مثيرة، عندما رفض الأسد أن يلتهم القديس
" أندرونيكوس " على الرغم من شدّة جوعه بل في منظر
لا يتجسد بقلم كاتب عانقه وأخذ يُداعبه!
إذ عرفه من رائحته ولم ينسَ ما فعله معه!
إنَّها المَحبَّة التي لا تسقط أبداً
حتى مع الحيوانات المفترسة!
كما أنَّ المَحبَّـة لا تشترط عطاءً مادياً في كل الأحوال،
ففي أحيان كثيرة تكون الابتسامة أو كلمات الحُب الرقيقة
أقوى بكثير من كل العطايا المادية،
فكلمات الحُب حوّلت زناة إلى قديسين وأذابت الكراهية من قلوب كثيرين،
كما يُذيب وهج شمس الربيع الدافئة الثلوج المتجمدة،
فتُحوّلها إلى مياه تروي الأرض الجافة، وتسقي القلوب العطشانة،
وهل ننسى كلمات السيد المسيح على الصليب!
ومعلمنا بولس الرسول ألم يقل:
" كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ " (2كو10:6)،
فبأي شيء نُغنيهم ومنهم قد يكونون أثرياء؟!
ولكن رغم أهمية المحبة البشرية وضرورتها للحياة،
إلاََّ أنِّها لا تهب الناس سعادة كاملة،
إن لم تكن ثمرة من ثمار محبة الإنسان لله،
فالإنسان كثيراً ما يجد نفسه وهو مستغرق بتمامه في المحبة
البشرية بكل ما تشمل من بذل وعطاء..
إنَّه لا يزال يعاني من آلام الوحدة القاسية،
ولم ينجح قط فى التغلب على القلق الناجم عن الشعور بالعزلة وضغوط الحياة..
ومن هنا ينصرف عن هذا الحُب البشريّ بضعفه ونقصه وقصوره،
وذلك لكي ينشد حباً أكمل وأنقى وأشمل..
ألا وهو: الحُب الإلهيّ!
الذي هو النهاية، وأرفع ما يمكن أن يصل إليه البشر،
ولا استقرار أو خلاص إلاََّ من خلاله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق